جريدة اخبارية شاملة
رئيس التحرير طارق شلتوت

الدكتور محمد راشد يكتب : هل تتسبب العقارات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية في تكرار سيناريو 2008

مازالت أزمة القطاع العقاري التجاري في الولايات المتحده تتفاقم، ولم يتضح بعد أي نهاية قريبة لها، ووفقا لآخر بيانات صادره عن بعض البنوك الامريكيه فإن نسبة القروض العقارية التجارية إلى إجمالي حجم القروض الممنوحه من البنوك، تتواصل النسبة في الارتفاع لتصل إلى 30 في المائة للبنوك الصغيرة، بينما تقف عند مستويات مستقرة في حدود 7 في المائة لدى البنوك الكبيرة، وهي البنوك التي تتجاوز أصولها مائة مليار دولار. هذا يعني أن الأزمة البنكية الأمريكية لم تنته بعد، على الرغم من التصريحات المطمئنة الصادرة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي عقب اندلاع الأزمة البنكية أوائل هذا العام، وعلى الرغم من السيولة الطارئة، التي حصل عليها كثير من البنوك هناك

وبلاشك واجهت القروض العقارية التجارية تحديات ليست فقط نتيجة تأثيرات لرتفاع معدلات الفائدة خلال الفتره الأخيرة، بل كذلك نتيجة تراجع الإقبال على كثير من الأنشطة التجارية، و التي تتطلب منتجات عقارية كبيرة ومكلفة، و التي تأثرت بسبب انتشار التجارة الإلكترونية ومنافستها للتجارة التقليدية، إلى جانب تغير أنماط العمل واللجوء إلى العمل عن بعد، التي تركت خلفها مساحات واسعة ومتعددة من الوحدات الإداريه الخالية ، وقد تكون البنوك تجاوزت إلى حد كبير مخاطر ارتفاع معدلات الفائدة، إلا أن أزمة القروض العقارية التجارية لا تزال في مرحله الخطر، ولا يعرف حتى الآن إلى متى ستستمر، وما إذا كانت هناك حلول غير اللجوء إلى محاولات الإنقاذ أو الاستسلام للتعثر والانهيار، وهذه الأزمة شبيهة بأزمة 2008 التي نتجت عنها إحدى أكبر الأزمات المالية العالمية، ألا أن أزمه 2008 انطلقت من القطاع العقاري السكني، وهذه أزمة خاصة بالقطاع التجاري. وعلى الرغم من صغر حجم القروض العقارية التجارية، مقارنة بنظيرتها السكنية إلا أن القروض العقارية التجارية في الأغلب قصيرة المدة بنسبة ثابتة أو متغيرة، وليست مثل السكنية التي تمتد فتراتها إلى 30 عاما، ومعظمها استفاد من تدني مستويات الفائدة منذ 2009، وليس لديها حاجة إلى إعادة التمويل.
و بحسب تقارير عدة تصل نسبة المساحات المكتبية الشاغرة في عدد من المدن الرئيسة إلى 50 في المائة، وهناك آلاف المباني والممتلكات تم التخلي عنها للبنوك المقرضة التي تسعى جاهدة للتخلص منها بأي طريقة كانت، كما يشير بعض المستثمرين في القطاع إلى انخفاض أسعار بعض الممتلكات العقارية التجارية هذه الأيام إلى نحو ثلث قيمتها قبل أربعة أعوام، وهنا مصدر القلق الذي ينتاب البنوك التي فجأة وجدت تلك الممتلكات في قوائمها المالية، علاوة على خسارتها التدفقات النقدية نتيجة تعثر تلك القروض.
و تصل نسبة القروض العقارية التجارية إلى أصول البنوك إلى 30 في المائة لدى البنوك الصغيرة، بينما هي مستقرة لدى البنوك الكبيرة، كما أن نسبة النقدية إلى الودائع لدى البنوك الصغيرة في انحدار شديد منذ بداية 2022، وهذه النسبة مهمة للغاية كونها تبين حجم السيولة لدى البنوك الصغيرة وقدرتها على دفع فوائد على ما تحتاج إليه من ودائع، ومن جهة أخرى تلك السيولة تظهر مدى قدرة البنوك الصغيرة على فتح قروض جديدة للعملاء، كما انخفضت نسبة النقدية إلى الودائع من 15 في المائة لدى البنوك الصغيرة في بدايه 2022 إلى نحو 7 في المائة الان، علما بأن معظم السيولة لديها أتت من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي وبرنامج التمويل الطارئ للبنوك، وهي سيولة مؤقتة لا بد من إعادتها إلى الفيدرالي، ومن ثم يتطلب ذلك من هذه البنوك التفكير في كيفية الحصول على مزيد من السيولة، وعندها قد تضطر إلى التخلص من ممتلكاتها العقارية، ما يعني مزيدا من تدهور أسعار العقارات التجارية.

- Advertisement -

ومن ناحيه أخري ، فإن أحد السيناريوهات المطروحه، و التي يتم التفكير في مدي نجاحها إذا ماتم تطبيقها حاليا هي تجارب عمليات تحويل المباني التجارية إلى سكنية، لتفادي بيعها بأسعار قليله، ومن جهة أخرى للاستفادة من الأزمة السكنية القائمة، التي لم تتأثر أسعارها ولا إيجاراتها على الرغم من التقلبات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفائدة ، إلا أن عملية تحويل المباني التجارية إلى سكنية ليست بالأمر الهين، بسبب الحاجة إلى تمويلات ضخمة للقيام بذلك نتيجة اختلاف طبيعة هذه المباني وملاءمتها للاستخدام السكني، وصعوبة المخاطرة على المستثمرين في القطاع جراء تجارب عقارية جديدة لا يعرف مدى نجاحها، فعلي سبيل المثال هناك تجارب لتحويل بعض أبراج الأعمال التجارية إلى سكنية، وهناك تجارب لتحويل بعض المجمعات التسويقية “المولات” إلى صالات لبعض الألعاب الرياضية، التي تتميز بحاجتها إلى أماكن مغطاة ، ومتواجده في أماكن جذابة.