من حي شعبي في روما إلى مقعد رئيسة وزراء إيطاليا.. قصة صعود جورجيا ميلوني الزعيمة التي سحرت ترامب وأردوغان في قمة شرم الشيخ للسلام
في لحظة طريفة خطفت أنظار الحضور في قمة شرم الشيخ للسلام، وجد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه يمازح رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أمام عدسات الكاميرات، واصفًا إياها بـ”الجميلة الذكية”، قبل أن يضيف مازحًا: “لكنها أقوى من كثير من الرجال الذين قابلتهم”.
لم يكد المشهد ينتهي حتى التقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخيط بدوره، فداعبها بابتسامة قائلاً: “يبدو أنك ما زلتِ تدخنين يا ميلوني، عليكِ التوقف قبل القمة القادمة”، لتجيبه هي ضاحكة: “أعدك يا فخامة الرئيس!”.
تلك اللقطات لم تكن مجرد لحظات خفيفة الظل في أروقة السياسة، بل كشفت عن مكانة ميلوني الجديدة كأحد أبرز الوجوه السياسية في أوروبا والعالم، وامرأة استطاعت أن تجمع بين الصلابة والذكاء السياسي والكاريزما الأنثوية التي لا تخلو من الحزم.
من حيّ شعبي في روما إلى رئاسة وزراء إيطاليا
ولدت جورجيا ميلوني في 15 يناير 1977 في حيّ “غرباتيلا” الشعبي جنوب العاصمة روما، في أسرة متواضعة. والدها “فرنشيسكو ميلوني” من جزيرة سردينيا كان يعمل مستشارًا ضريبيًا، لكنه ترك العائلة عندما كانت ابنته لا تزال طفلة صغيرة، فربتها والدتها “آنا باراتوري”، وهي كاتبة من أصل صقلي، وسط ظروف مادية صعبة.
نشأت ميلوني في بيئة قاسية، لكنها حملت منها روح التحدي والإصرار على إثبات الذات. شقيقتها الكبرى “أريانّا ميلوني” انضمت لاحقًا إلى العمل السياسي معها، لتصبح ذراعها الأيمن داخل حزبها.

بداية المشوار السياسي.. من طالبة غاضبة إلى رمز لليمين الإيطالي
بدأ شغف ميلوني بالسياسة في عمر الخامسة عشرة، عندما انضمت إلى الحركة الشبابية التابعة لحزب الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI)، الذي وُلد من بقايا التيار اليميني بعد الحرب العالمية الثانية.
كانت شغوفة بالخطب العامة، لا تخشى المواجهة، وسرعان ما لفتت الأنظار داخل الحزب الذي تحوّل لاحقًا إلى التحالف الوطني. ومع اندماج ذلك الحزب في تشكيلات سياسية جديدة، أسست ميلوني عام 2012 حزبها الخاص “إخوة إيطاليا” (Fratelli d’Italia)، الذي أصبح لاحقًا التيار الرئيسي لليمين المحافظ في إيطاليا.
الصعود إلى القمة.. أول امرأة في تاريخ إيطاليا تتولى رئاسة الوزراء
في عام 2008، كانت ميلوني في الحادية والثلاثين من عمرها فقط عندما اختارها رئيس الوزراء الراحل سيلفيو برلسكوني وزيرةً للشباب في حكومته، لتصبح أصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا الحديث.
لكن الطموح لم يتوقف عند هذا الحد؛ فبعد سنوات من المعارضة، نجحت في قيادة حزبها من الهامش إلى المركز، حتى فاز تحالف اليمين بقيادتها في انتخابات 2022، لتُكلَّف رسميًا بتشكيل الحكومة وتصبح أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في إيطاليا.
وقد وصفتها الصحافة الأوروبية وقتها بأنها “مارجريت تاتشر الجديدة”، واعتبرها البعض “صوت اليمين الأوروبي المعتدل” الذي استطاع أن يجمع بين الهوية الوطنية والواقعية السياسية.

فكرها السياسي.. بين القومية والبراجماتية
تتبنى ميلوني نهجًا قوميًّا محافظًا، يركّز على الدفاع عن الهوية الإيطالية، وتشديد سياسات الهجرة، ودعم الأسرة التقليدية، مع نزعة واضحة إلى استقلال القرار الوطني عن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي.
ورغم تصنيف حزبها سابقًا بأنه من أقصى اليمين، فإنها في السنوات الأخيرة سعت إلى تقديم صورة أكثر اعتدالًا على الساحة الدولية، فحافظت على علاقات متوازنة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والناتو، دون التفريط في خطابها الوطني.
كما تُعرف ميلوني بمواقفها الرافضة لفرض قيم “ثقافة الإلغاء” في المجتمع الأوروبي، وبخطابها الصريح الذي يجذب قاعدة واسعة من الناخبين الشباب والنساء المحافظات.
المرأة الحديدية خارج السياسة
ورغم صلابتها السياسية، فإن ميلوني لا تخفي الجانب الإنساني في شخصيتها. فهي أم لطفلة تُدعى “جينيڤرا” من شريكها الصحفي الإيطالي “أندريا جانبرونو”، وتؤكد دائمًا أن الأمومة كانت أحد أسباب إصرارها على خوض الحياة العامة.
تُعرف بحبها للموسيقى والقراءة، وتحرص على ممارسة الرياضة بانتظام، لكن أكثر ما يثير الجدل حولها هو إدمانها للسجائر، وهو ما دفع أردوغان للمزاح معها في القمة الأخيرة.
كما توصف ميلوني بأنها مزيج من الصرامة والعفوية؛ فهي قادرة على إطلاق نكات سياسية ذكية في المؤتمرات، وفي الوقت نفسه تحافظ على حضور قوي يفرض الاحترام حتى بين خصومها.

ميلوني في عيون العالم
اليوم، تُعد جورجيا ميلوني واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في أوروبا. تمكنت في وقت قصير من أن تتحول من ناشطة مغمورة إلى رمز نسائي عالمي يُشار إليه بالبنان في عالم السياسة الذي يسيطر عليه الرجال.
في قمة شرم الشيخ، عندما التقطت الكاميرات ضحكاتها مع ترامب وأردوغان، كان المشهد أشبه بتلخيص لمسيرتها: امرأة شجاعة، واثقة، تعرف متى تبتسم ومتى تحسم، وتدرك أن الدبلوماسية ليست فقط كلمات رسمية، بل أيضًا لمسات إنسانية تترك أثرها في السياسة الدولية.









التعليقات مغلقة.