جريدة اخبارية شاملة
رئيس التحرير طارق شلتوت

محمود داوود يكتب.. المدن المستدامة في مصر.. المستقبل والتحديات

شكل ارتفاع معدلات نمو سكان الحضر تحديا كبيرا أمام العديد من الدول؛ ومنها مصر، حيث إنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المناطق الحضرية حول العالم من 3 مليارات نسمة إلى 6 مليارات نسمة بحلول عام 2045، ويأتى ذلك تزامنا مع عدم قدرة المدن القائمة على استيعاب هذه الزيادة، وهو ما أكسب المدن الجديدة ضرورة فى الدول النامية؛ خاصة مع ما تشهده تلك الدول من حركة نمو صناعى، ونمو اقتصادى صاحبه نمو فى الطبقة المتوسطة، وفوق المتوسطة، وأصبح من الصعوبة على الحكومات القيام بدورها الكامل فى خلق بيئة عمرانية سليمة تستطيع أن تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية فى الحصول على سكن لجميع الفئات وبما يحقق تطلعاتهم. وفى سياق كل هذا؛ تعددت تعريفات المدن الجديدة على معيار واحد؛ حيث استُخدم الحجم السكانى والوظيفة الاقتصادية كالمدن الصناعية، ومعيار استقلاليتها عن العمران القائم، فمنها مستقلة بذاتها، وأخرى تابعة تعتمد على الوظائف والخدمات المتوطنة فى العمران القائم.

ولاشك أن هذا الاختلاف فى المعايير التى تحدد الفرق بين أشكال وطبيعة المدن الجديدة يعود إلى التغيرات فى السياسات الاقتصادية والإدارية والإسكانية؛ حيث تحول دور الدولة من الداعم الرئيسى للمدن الجديدة بالأخص فى قطاعات الإسكان والبنية الأساسية، إلى دور شريك فى التنمية تزامنا مع ازدياد دور القطاع الخاص والاقتصاد العالمى فى تطويرها ونموها فى العقدين الماضيين من القرن الحادى والعشرين، وظهرت أشكال جديدة من الشراكات بين الحكومات، والقطاع الخاص المحلى والعالمي، والتى انعكست بدورها على القاعدة الاقتصادية بها، ومكونها السكانى والعمراني.

- Advertisement -

ولا تعد التنمية الصناعية وحدها المحرك لنموها، وإنما ظهرت أنماط جديدة من الأنشطة الحضرية تحاكى أهداف التنافسية العالمية وأنشطة التجارة العالمية واقتصاد التكنولوجيا والمعرفة سريع النمو كانت هى الأخرى سببا رئيسيا فى تطور حجم وأعداد المدن الجديدة، وصاحب ذلك أيضا تطورا كبيرا فى استراتيجيات عمل تلك المدن الجديدة؛ حيث أصبحت المدن الجديدة لا تبنى فقط على فكرة الاكتفاء الذاتى من فرص العمل لسكان المدينة أو الدولة، وإنما أصبحت جاذبة للعمالة الأجنبية والسكان الأجانب. كما أنه فى ظل التوجهات الاقتصادية الجديدة أصبحت المدن الجديدة فرصة ووسيلة لتحقيق التنافسية العالمية، فضلًا عن دخول الدول مراحل تنمية اقتصادية مختلفة، ولم تعد تقتصر فقط على استيعاب الزيادة السكانية
المحافظات، وبالأخص الصعيد؛ وكان الهدف من إنشاء تلك المدن آنذاك هو التغلب على مشكلة محدودية الأراضى للامتداد، والتوسع فى الظهير المباشر لوادى النيل.

– مدن الجيل الرابع خلال الفترة من (2014 وحتى الان):
ولا شك أن تلك المدن شهدت طفرة متنوعة ومختلفة من حيث تركيبة إنشائها وتنفيذها بحيث تصبح أكثر مواءمة للتغيرات الحادثة فى بيئة التكنولوجيا العالمية؛ حيث إن تلك المدن هى نموذج متطور من المدن فى نظم شبكاتها، والأنشطة الداعمة لاقتصاد المعرفة من الجامعات، ومراكز الأبحاث المتطورة العالمية والخاصة، ويدخل فى تخطيطها، وتصميمها مبادئ المدن الخضراء والذكية، وتضاف أنشطة اقتصادية منافسة لوظائفها كالسياحة العالمية، مثل؛ العلمين، ورأس الحكمة. والتجارة العالمية، ومراكز وخدمات رجال الأعمال، مثل شرق بورسعيد، والعاصمة الإدارية الجديدة التى تقدم شكلًا جديدًا من الأنشطة المركزية للدولة، وخدمات الأعمال الجاذبة للمؤسسات العالمية، وتعد بمثابة الشريان الحضرى المركزى لإقليم قناة السويس الاقتصادي، بما يضمه من مناطق اقتصادية محورية لمصر.

ولاشك أن المدن الجديدة شهدت اهتماما كبيرا من الدولة بالمشاركة مع القطاع الخاص خلال الخمسة أعوام الماضية؛ مما أكسبها أهمية استراتيجية كبرى؛ حيث توجهت الدولة حديثًا نحو وضع خطط لشبكات نقل عامة، وتم تقديم مقترحات لفصل صلاحية مشروعات وضع خطط النقل العام للمدن الجديدة عن هيئة النقل العام؛ وهو ما تطلب ضرورة وجود هيئة لإدارة النقل فى المدن الجديدة تضع دراسات وخطط متكاملة بين أنماط النقل الداخلى والخارجى للمدن تتلاءم مع احتياجات المخطط، مع الأخذ فى الاعتبار توافر مشروعات نقل خاصة يتم تشغيلها حاليًا لصالح المناطق السكنية الخاصة. ولتعزيز إدارتها وهو ما تدرسه الحكومة المصرية حاليا؛ وكذلك تنظيم عمل الشبكات الاجتماعية: وذلك داخل المدن الجديدة، خاصة فى مستويات الإسكان المنخفض، وفى مدن محافظات الصعيد الجديدة ومشروعات لتساعد السكان الجدد فى التكيف؛ ولاشك أن الربط بين العائد الاقتصادى والاجتماعى على السواء يعتبر من الأمور المهمة والضرورية، خاصة مع تأثيرهما على مدى ارتباط السكان بالمكان. ويتطلب ذلك الأمر مداخل متعددة المستويات من أجل إعطاء فرص مشاركة واسعة لسكان المدينة فى جميع مستويات الاستثمار، والأنشطة، وتقلل من مخاطر الاستثمار الكبيرة التى يصعب تقدير العوائد منها على المستوى البعيد.

ويعد الاستثمار فى البنية التحتية وشبكات التكنولوجيا من أهم المجالات التى تعظم الاستفادة الاقتصادية والمجتمعية؛ لأنها تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على السكان، ليس فقط من حيث الاستخدام الفردى لها، وإنما تستفيد منها الأنشطة الإنتاجية التى تخدم أنماط استهلاكهم المختلفة؛ وهو ما كان سببا أن تتجه الحكومة المصرية إلى وضع حوافز للمستثمرين فى البنية التحتية بمشروعاتهم بمعدلات أعلى من المعدلات القومية فى التصميم والتشغيل، مثل؛ المعدلات البيئية والتكنولوجية لمراقبة شبكات، ومرافق مشروعاتهم؛ لأن هذه الحوافز والتسهيلات من شأنها تخفيض تكاليف الإنتاج. وكذلك التوجه نحو تقسيم المدن الجديدة إلى مناطق مختلفة فى مستويات حوافز الاستثمار فى البنية التحتية والتكنولوجية مع التركيز على المناطق المستهدفة لفئات الإسكان المنخفض والمتوسط، وعلى المناطق المراد الإسراع بمعدلات تنميتها.

أن العوائد من المدن الجديدة لا تقتصر فقط على المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وإنما تشتمل على عوائد ثقافية وعمرانية وبيئية؛ منها المباشر، وغير المباشر، سواء على المستوى القومى أو الأفراد. وبالتالى فإن قياس العوائد يجب ألا يقتصر فقط على مؤشرات حجم وعدد الوحدات السكنية المقدمة من خلالها، أو مساحات الأراضى التى تم تنميتها أو استغلالها، وهو ما أدركته الدولة المصرية؛ من خلال وضع مجموعة من المؤشرات يمكن قياسها بصفة دورية من أجل تحديد مدى جدوى السياسات النوعية المُطبقة بها؛ أخذه فى الاعتبار أن المدن الجديدة أو التنمية العمرانية الجديدة بصفة عامة وسيلة لتحقيق الانتشار العمرانى خارج الوادى والدلتا، ولكنها لا تلغى أهمية وضرورة معالجة إشكاليات العمران القائم. وذلك يعنى أن العمران القائم والجديد لا يمثلان كيانين منفصلين فى السياسات، وبالتالى فإن نجاح كليهما يؤثر إيجابيًا على تحقيق الأهداف القومية للتنمية.