صرّح د. محمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري، بأن ما تقوم به الدولة المصرية من توسعات عمرانية غير مسبوقة في المناطق الحدودية والصحراوية لا يمكن قراءته فقط في سياق النمو أو التخطيط الحضري، وإنما يمثل نموذجًا بالغ العمق يمكن وصفه بـ”التنمية العمرانية الدفاعية”، والتي تُعد أحد أبرز أدوات الدولة لتأمين حدودها وتعزيز سيادتها الجغرافية.
التوسع العمراني الحدودي.. رؤية أمن قومي متكاملة
أوضح د. محمد راشد أن مفهوم “التنمية الدفاعية” ينبثق من قناعة استراتيجية لدى صانع القرار المصري بأن العمران هو أول خط دفاع حقيقي في مواجهة التهديدات المعاصرة، سواء كانت إرهابية أو اقتصادية أو حتى ديموغرافية. وأضاف أن مصر لم تعد تكتفي بحماية حدودها بوسائل عسكرية فقط، بل أصبحت تمد ذراعها العمرانية إلى أطرافها الجغرافية لترسيخ السيادة على الأرض وفرض معادلة استقرار شاملة.
سيناء والوادي الجديد وتوشكى.. تحويل الأطراف إلى مراكز قوة
وأشار إلى أن ما يحدث في سيناء من إعادة إعمار شاملة، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وربطها بشبكات الطرق القومية، يُعيد تعريف المنطقة بالكامل. كما أن مشروعات الوادي الجديد، الفرافرة، وتوشكى ليست فقط طموحات زراعية، بل محاور عمرانية جديدة تُعيد صياغة توزيع السكان على خريطة الجمهورية.
وفي المقابل، تأتي مدن مثل العلمين الجديدة والضبعة وامتدادات الساحل الشمالي لتكون نقاط ارتكاز حضارية على البحر المتوسط، تعزز من الوجود المصري في مناطق استراتيجية حيوية.
التنمية كوسيلة لردع التهديدات الجغرافية والديموغرافية
أضاف د. راشد أن الكثير من التهديدات المعاصرة لم تعد عسكرية صريحة، بل أصبحت ناتجة عن الفراغ الجغرافي، وانعدام التنمية، واختلال التوازن السكاني. من هنا، فإن التنمية في المناطق الحدودية لا تسد فقط فجوات اقتصادية، بل تمنع تشكّل حواضن للأفكار المتطرفة أو النشاطات غير القانونية، وتُحقق تماسكًا وطنيًا طويل المدى.
بُعد اقتصادي عميق: ربط التنمية بالإنتاج
وأوضح أن المدن الجديدة في المناطق الحدودية لا تُبنى ككتل خرسانية فقط، بل تُخطط لتكون مراكز إنتاج زراعي، صناعي، أو لوجستي، مما يُمكّن من خلق فرص عمل حقيقية، واستيعاب جزء من الكتلة السكانية، وتقليل الضغط على الحزام النيلي. مشيرًا إلى أن هذا التوجه يعزز الاكتفاء الذاتي المصري، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويدعم الاستقرار النقدي على المدى المتوسط.
نموذج مصري قابل للتكرار والتصدير
لفت راشد إلى أن النموذج المصري في التنمية الدفاعية يمكن أن يتحول إلى مرجعية أكاديمية واستراتيجية لدول مشابهة تواجه تحديات جغرافية وأمنية مماثلة، سواء في إفريقيا أو الشرق الأوسط. داعيًا مراكز الفكر والتخطيط العمراني إلى توثيق هذا النموذج وتحليله باعتباره أحد أبرز النماذج الناجحة في استخدام العمران كأداة للسيادة الوطنية.
التنمية ليست رفاهية.. بل ضرورة لحماية المستقبل
واختتم د. محمد راشد تصريحه مؤكدًا أن ما تبنيه مصر الآن ليس فقط مدنًا جديدة، بل تبني طبقة جديدة من الحماية الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن التنمية لم تعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية الدولة من التهديدات المعاصرة، وصياغة جمهوريتها الجديدة بمنهج يُصدَّر للعالم كنموذج متكامل في فكر الدولة الشاملة









التعليقات مغلقة.