جريدة اخبارية شاملة
رئيس التحرير طارق شلتوت
رئيسي 01 إيفر

الدكتور محمد راشد يكتب : الاقتصاد الأخضر والعمران .. عندما تعيد المدن رسم مستقبل الاستدامة

في ظل تزايد التحديات البيئية، وتراجع الموارد الطبيعية، تشهد المدن حول العالم، تحولات متسارعة مما يستدعي البحث عن حلول مستدامة تضمن تحقيق التوازن بين النمو العمراني وحماية البيئة ، وفي هذا السياق، يظهر الاقتصاد الأخضر كوسيلة فعالة تساعد المدن على تحسين جودة الحياة، وتقليل التلوث، والاستفادة المثُلى من مواردها المتاحة، وبينما تسعى العديد من المدن العالمية إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة، تتزايد الجهود في المدن العربية لدمج الاستدامة ضمن استراتيجياتها الحضرية، بما يسهم في تحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامةً للأجيال القادمة.

وبلاشك يشكل الاقتصاد الأخضر خيارًا استراتيجيًا لمدن العالم، حيث يسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل البصمة الكربونية، بينما تتبنى العديد من المدن العالمية استراتيجيات بيئية متقدمة، بدأت بعض المدن العربية بدمج مبادئ الاستدامة في خططها التنموية لتحقيق مستقبل أكثر استدامة ، كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 70% من سكان العالم سيعيشون في المدن بحلول 2050، مما يزيد من الحاجة الملحة إلى سياسات خضراء للحد من الانبعاثات الغازية التي تمثل 75% من إجمالي الانبعاثات عالميًا، ولتحقيق ذلك، بدأت المدن في تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز النقل المستدام ، وذلك من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة، والتوسع في برامج التشجير، وتحسين كفاءة استهلاك الموارد، مما يسهم في بناء اقتصاد أخضر مستدام، والارتقاء بجودة الحياة، وترسيخ مكانة المملكة ضمن الدول الرائدة عالميًا في التنمية البيئية.

- Advertisement -

وعلي سبيل المثال يبرز مشروع نيوم في المملكه العربيه السعوديه كأحد المبادرات العمرانيه الرائدة في تحقيق الاستدامة، حيث يمثل نموذجًا متكاملًا لمدينة مستدامة تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة والتنقل الذكي والتخطيط البيئي المتكامل، كما يعد مشروع الرياض الخضراء من أكبر مشاريع التشجير في المنطقة، إذ يستهدف زراعة 7.5 مليون شجرة، لتحسين جودة الهواء، والحد من آثار التغير المناخي، إضافة إلى ذلك، يمثل مشروع مترو الرياض نقلة نوعية في مجال النقل المستدام، حيث يسعى إلى تقليل الازدحام وتعزيز استخدام وسائل النقل العام الصديقة للبيئة، علاوة على ذلك، تأتي مبادرتا السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر، اللتان تهدفان إلى زراعة 50 مليار شجرة، وخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 10% من المستويات العالمية، وتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة، مما يعكس التزام المملكة بقيادة التحول الأخضر نحو مستقبل أكثر استدامة.

ويعزي فكر الاقتصاد الأخضر نحو حلولًا مبتكرة في قطاعات النقل، حيث تمثل السيارات الكهربائية بديلًا واعدًا يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ففي بعض المدن الأوربية، تجاوزت السيارات الكهربائية 50% من إجمالي مبيعات السيارات، وهو ما يعكس التحول الكبير نحو تقنيات النقل المستدام، كما تمثل تجربة النرويج نموذجًا عالميًا للتحول نحو النقل المستدام، حيث أظهرت بيانات اتحاد الطرق النرويجي أن 88.9% من إجمالي السيارات الجديدة المبيعة في عام 2024 كانت كهربائية بالكامل، مقارنًة بـ 82.4% في عام 2023، ما يضع البلاد على المسار الصحيح للتحول الكامل إلى السيارات الكهربائية هذا العام، وتُعزى هذه الطفرة إلى سياسات الحوافز الضريبية والبنية التحتية الداعمة، حيث تصدرت “تسلا” قائمة المبيعات، تلتها “فولكس فاجن” و”تويوتا”، ويمكن لهذه التجربة أن تشكلا نموذجًا مُلهما للمدن العربية لتسريع وتيرة خططها نحو وسائل نقل أكثر استدامة، وتقليل الاعتماد على المركبات التقليدية ذات الانبعاثات العالية.

وبمنتهي الامانه ؛ و رغم الإنجازات المحققة، لا تزال المدن العربية تواجه تحديات تعوق تطبيق الاستدامة بفاعلية، ومن أبرزها نقص التمويل، ضعف البنية التحتية، وغياب التشريعات البيئية الصارمة ، لذلك فإنه لتجاوز هذه العقبات، لابد من تبني عدة حلول عملية، منها ضروره تعزيز الحوافز الاستثمارية، وذلك من خلال تشجيع الشركات وقطاعات الأعمال على الممارسات المستدامة من خلال إعفاءات ضريبية ودعم حكومي لها ، وكذلك إطلاق شراكات وتحالفات بين المدن: يمكن أن تتعاون المدن العربية فيما بينها لتبادل المعرفة وأفضل الممارسات في مجال الاستدامة ، هذا بجانب ضروره زيادة وعي الأفراد من خلال حملات إعلامية مكثفة وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز ثقافة المسؤولية البيئية لدى المواطنين ، وأيضا إنشاء صناديق تمويل خضراء: لتوفير دعم مالي مستدام للمشاريع البيئية وضمان تنفيذ مبادرات الاستدامة على نطاق واسع ، وكذلك تطوير البنية التحتية للنقل الكهربائي: مثلما فعلت النرويج، حيث أصبحت السيارات الكهربائية تمثل نسبة كبيرة من إجمالي المركبات، مما يحد من انبعاثات الكربون ، و فرض معايير بناء مستدامة على جميع المشاريع الجديدة، لضمان كفاءة الطاقة، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة.
وأخير ، فإنه في ظل التحديات البيئية المتزايدة، يصبح تبني سياسات واستراتيجيات استدامة قوية أمرًا ضروريًا، فالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتعزيز التعليم البيئي، وتوسيع نطاق الشراكات الدولية، تعد جميعها عوامل رئيسية في بناء مدن مستدامة، تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، مما يضمن مستقبلًا أكثر ازدهارًا للأجيال القادمة.

التعليقات مغلقة.