بالرغم من أن التوعية جزء أساسي من عملي، وأنا مؤمنة بدورها وقيمتها، إلا أن الصراحة تفرض علينا الاعتراف بأن التوعية وحدها لا تكفي. فهي تحتاج وقتًا طويلًا لتغيير السلوك وإقناع الناس بمنظور مختلف، خاصة في زمن تغيرت فيه طرق الاستيعاب وازدادت فيه تشابكات الحياة وتعقيداتها. لذلك أصبح من الضروري تطوير أدوات وأساليب التوعية لتصبح أكثر جذبًا وتأثيرًا، مع مراعاة اختلاف ثقافات الناس وخلفياتهم.
لكن عندما نكون أمام قضية مصيرية وحساسة، فالتوعية والتواصل المكثف وحدهما غير كافيين. لا بد من قرارات سريعة وعقوبات رادعة تضع حدًا لأي تهاون أو إهمال، لأن بعض القضايا لا تحتمل التأجيل ولا التجربة.
ومن بين هذه القضايا، تأتي قضية الاعتداء على الأطفال… واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وتشابكًا. أطراف عديدة، مسؤوليات موزعة، أدوار يجب أن تكون واضحة وغير قابلة للتأويل. الفاعل يجب أن يُعاقب فورًا، ولكن أيضًا كل من كان له دور في الرقابة أو الإدارة أو الإشراف يجب أن يُحاسب بلا تردد. الإهمال في هذه القضايا جريمة إضافية.
الأسرة.. الدور الأصعب
أما بالنسبة لأولياء الأمور، فدورهم هو الأصعب والأعمق. قبل أن يحتووا أبناءهم، عليهم أن يعيدوا النظر في أسلوب التربية داخل البيت، ويصلحوا ما يحتاج إصلاحًا. الزمن تغيّر، وطبيعة الأطفال تغيّرت، وطرق التربية القديمة ليست كلها صالحة اليوم، لكن هذا لا يعني التخلي عن جذور التربية الأصيلة.
وليس معنى أن الناس تتحدث عن “التربية الحديثة” و“الـ Quality Time” أننا ننسى التوليفة القديمة التي كان أساسها الاحترام، والانضباط، والحدود الواضحة. التطوير لا يعني الانفتاح بلا ضوابط، ولا يعني أن يصبح الابن صديقًا لدرجة أن نعتقد أننا نعرف كل شيء عنه. لأن الحقيقة أن الأطفال—مهما اقتربنا منهم—«بيخبّوا»… زي ما كلنا خبّينا زمان.
في حاجات مرعبة، أو مثيرة، أو مجرد أمور لا يعرفون كيف يفسّرونها… ولن يحكوها بسهولة. وهنا يأتي دور التوازن: احتواء بدون دلع… وقرب بدون غفلة… وحب لا يلغي الرقابة.
أولياء أمور المعتدين… مسؤولية لا تقل خطورة
أما أولياء أمور “الشياطين” الذين ارتكبوا الفعل المشين، فهم أيضًا يحتاجون إلى دراسة عميقة.
هل كانوا يرون الانحرافات ويسكتون؟
هل كانوا غائبين تمامًا عن حياة أبنائهم؟
هل كانوا في حالة إنكار؟
في كل الحالات، هناك خلل يحتاج علاجًا… لأن التجاهل أو الغياب ليسا مبررًا، بل جزءًا من المشكلة.
الرسالة الأخيرة
كل أسرة تعرضت لهذا الألم يجب أن تعرف أن دورها لا ينتهي عند حدود ما حدث. رسالتهم الأهم هي ألا يتكرر الألم مع غيرهم. حماية طفل واحد إضافي من نفس المصير… هو انتصار حقيقي.
هذه القضايا لا تتحمل التردد،
ولا تحتاج مجاملة،
وتستلزم منا جميعًا—دولة وأسرة ومجتمع—وعيًا، وقرارًا، وردعًا.
—









التعليقات مغلقة.