جريدة اخبارية شاملة
رئيس التحرير طارق شلتوت

ابن الحضارة المصرية.. من هو الدكتور خالد العناني الأمين العام لليونسكو و حارس الثقافة في العالم ؟

حين تتحدث الحضارة المصرية عن نفسها، فإنها لا تختار كلمات، بل تختار رجالًا يعرفون لغة الحجر والزمان. ومن بين أبناء مصر الذين صاغوا من التاريخ رسالة ومن العلم مجدًا، يبرز اسم الدكتور خالد أحمد العناني، الذي جسّد بعلمه وشغفه وإخلاصه نموذجًا فريدًا للمثقف والمسؤول الوطني، حتى صار اليوم الأمين العام الجديد لمنظمة اليونسكو، ممثلًا لمصر والعرب وأفريقيا على مسرح العالم.

اليوم، يقف الدكتور خالد العناني على منصة اليونسكو، لا بوصفه مسؤولًا مصريًا فحسب، بل سفيرًا للحضارة الإنسانية جمعاء، يحمل رسالة مصر التي علّمت الدنيا الكتابة والفكر والفن.
إنه تجسيد حيّ لمقولة “مصر لا تُصدّر النفط ولا الذهب، بل تصدّر الحضارة”، ومع انتخابه، تُثبت مصر من جديد أن أبناءها ما زالوا يحملون شعلة النور الأولى التي أضاءت طريق البشرية منذ آلاف السنين

- Advertisement -

طفولة على ضفاف التاريخ

ولد الدكتور خالد العناني في محافظة الجيزة عام 1971، في بيئة تتنفس التاريخ وتطل على أهرامات العالم القديم، وكأن القدر أراد له أن يكون ابنًا للحضارة المصرية بكل تفاصيلها. منذ طفولته كان شغوفًا بالتاريخ والآثار، مولعًا بقصص الفراعنة، قارئًا نهمًا لكل ما يتصل بماضي الإنسانية المجيد.

 

من الأكاديمية إلى العالمية

تخرج في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، حيث تخصص في الإرشاد السياحي وعلم المصريات، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة مونبلييه الفرنسية عام 2001 في مجال علم المصريات.
عاد إلى مصر ليبدأ مسيرة أكاديمية متألقة، عمل خلالها مدرسًا بقسم الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق – جامعة حلوان، ثم ترقى إلى أستاذ مساعد، قبل أن يُصبح أستاذًا متفرغًا لعلم المصريات.

عرفه طلابه أستاذًا متواضعًا، دقيقًا في علمه، واسع الثقافة، يزرع فيهم حب الوطن قبل حب التاريخ. ولم يتوقف نشاطه على القاعات الجامعية، بل شارك في مؤتمرات دولية عديدة، وأشرف على رسائل علمية داخل مصر وخارجها، كما نُشرت له أبحاث متخصصة في مجلات علمية عالمية مرموقة.

 

من أروقة المتاحف إلى صدارة المسؤولية

أثبت العناني أن عالم الآثار لا يعيش بين التماثيل فقط، بل يستطيع أن يجعلها تنطق بالمعنى والرسالة. تولّى إدارة المتحف القومي للحضارة المصرية منذ إنشائه، وكان له الفضل في وضع رؤيته المتحفية الفريدة التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة.
وبفضل نجاحه المتميز في إدارة المشروع، تم تعيينه في عام 2015 رئيسًا لقطاع المتاحف بوزارة الآثار، حيث أشرف على تطوير وتحديث عشرات المتاحف في أنحاء الجمهورية، وجعلها مراكز ثقافية نابضة بالحياة.

وفي مارس 2016، اختير وزيرًا للآثار في حكومة المهندس شريف إسماعيل، خلفًا للدكتور ممدوح الدماطي، ليكون أول وزير آثار من أبناء الجيل الأكاديمي الحديث، يجمع بين العلم والإدارة.

وزير برؤية علمية ونهج حضاري

في منصبه الوزاري، أعاد العناني رسم خريطة المشروعات الأثرية في مصر، فدفع بقوة نحو افتتاح المتحف المصري الكبير، وأشرف بنفسه على الموكب الملكي للمومياوات الذي أبهر العالم، مقدمًا لمصر وجهها الحضاري في أبهى صوره.
وفي ديسمبر 2019، تولى أيضًا وزارة السياحة والآثار بعد دمجهما، ليصبح أول من يجمع الوزارتين في كيان واحد، مستندًا إلى رؤية شاملة تربط بين حماية التراث وتنشيط السياحة وتحقيق التنمية المستدامة.

قاد العناني الوزارة بعقل العالم وروح المبدع، فأسس نموذجًا إداريًا يقوم على التوازن بين الاستثمار والحفاظ، بين الجذب السياحي وصون الهوية الوطنية.

 

شهادة العالم لكفاءة المصري

لم يكن صعود الدكتور خالد العناني نحو اليونسكو محض صدفة أو مجاملة سياسية، بل تتويجًا لمسيرة ممتدة من الإنجاز والاحترام الدولي. فقد مثّل مصر في عشرات المؤتمرات الدولية، وارتبط بعلاقات مهنية وثقافية مع أبرز المؤسسات المتحفية والأثرية في العالم، من فرنسا إلى اليابان، ومن اليونان إلى الولايات المتحدة.
ويُنظر إليه اليوم كأحد أبرز المتخصصين في الدبلوماسية الثقافية، لما يتمتع به من قدرة على الحوار بين الثقافات، وإيمان بأن التراث الإنساني هو لغة السلام الحقيقي بين الشعوب.

رؤية للإنسان قبل الحجر

في نظر العناني، لا يُقاس التاريخ بما تبقى من أحجار، بل بما يتركه في الإنسان من وعي وانتماء. لذلك، يؤمن أن دور اليونسكو لا يقتصر على حفظ التراث، بل يمتد إلى بناء الإنسان القادر على صون ثقافته وتقبّل ثقافة الآخر.
رؤيته تتجاوز الماضي نحو المستقبل، حيث الثقافة والتعليم والابتكار أدوات لتحقيق السلام والتنمية، لا شعارات تزيّن المؤتمرات.

 

التعليقات مغلقة.