بما أن تخصصي الأساسي هو الاقتصاد، الذي درستُه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ثم في مرحلة الماجستير، أشعر بالدهشة من محاولة بعض الاقتصاديين خلط المفاهيم الاقتصادية بسبب رغبتهم في فرض آرائهم السياسية بشأن ما يُسمى بـ«الفقاعة العقارية».
ولكي نتناول هذا المفهوم بدقة، دعونا نُعرّف أولًا ما هي البابل أو ما يُسمى بالفقاعة العقارية، كمصطلح متعارف عليه في الأدبيات الاقتصادية، أو وفقًا لتداعيات أزمة «النمور الآسيوية» في نهاية التسعينيات، والأزمة العالمية الكبرى في 2008.
ماهية الفقاعة العقارية عالميًا
الفقاعة العقارية لا تكتمل إلا بوجود ثلاثة عناصر: مشتري – ممول – بائع. بمعنى آخر: مشتري، بنك، مطور عقاري. ويرتبط ذلك بنظام الـMortgage (التمويل العقاري)، حيث يشتري البعض العقار بتمويل مصرفي ثم يعيدون تسويقه لمشترٍ آخر، وتستمر حلقات البيع حتى يصل العقار إلى سعر غير واقعي بسبب التوريق المستمر للمحفظة العقارية لدى البنوك، بما يتنافى مع القيمة السوقية الفعلية للعقار. وهنا يحدث الانهيار المفاجئ وفقًا لنظرية الدومينو الشهيرة.
لكن هذا النموذج لا يتوافر على الإطلاق في الحالة المصرية.
النموذج المصري مختلف
في مصر، يطرح المطور العقاري أي مشروع على مراحل فيما يُعرف بـ«Off Plan» أي البيع على الخريطة، حيث يتم البناء حسب الطلب وبأقساط مباشرة مع العميل، بعيدًا تمامًا عن أي تمويل مصرفي.
وبما أن المصريين عاشقون للتملك – بعكس شعوب كثيرة – ومع ما تبع تعويم الجنيه من تراجع في قيمته وارتفاع كبير في أسعار الفائدة، اتجه الكثيرون إلى اقتناء العقارات كملاذ آمن للحفاظ على ثرواتهم، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، حتى أصبح التطوير العقاري مهنة من لا مهنة له.
من التضخم إلى التباطؤ
وبعد نجاح خطة الإصلاح الاقتصادي في السيطرة على سوق الصرف وتراجع سعر الفائدة، تراجع الاهتمام بكل من الذهب والعقارات، وأصبح الطلب مرتبطًا بالاحتياجات الفعلية بعيدًا عن المضاربات.
ومن هنا ظهر ما يمكن تسميته بـ«التباطؤ العقاري» وظهور ضعف ملحوظ في عمليات إعادة البيع (Resale)، خاصة بعد الارتفاع الجنوني للأسعار الذي فرضه المطورون بفعل الفائدة المرتفعة.
مرحلة الاستقرار الحالية
اليوم، نحن أمام مرحلة استقرار نسبي، يسعى فيها المطورون إلى البحث عن آليات ترويج مبتكرة لجذب شرائح جديدة من المشترين خارج دائرة المضاربين، لضمان استمرار السوق ونموه.
لكن المؤكد – وبعيدًا تمامًا عن المزايدات – أن ما يحدث في مصر لا علاقة له بمفهوم «الفقاعة العقارية» كما تُعرف عالميًا، بل هو تطور طبيعي لدورة السوق









التعليقات مغلقة.