عمّ الحزن والأسى أوساط الإعلام والرأي العام العربي والدولي، بعد استشهاد الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة، في غارة إسرائيلية استهدفت خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء في قطاع غزة. كان الشريف صوتًا نابضًا بالحق، حمل شهادة الواقع المأساوي لسكان القطاع، ورافق في نقل معاناتهم الصعبة بأمانة وشجاعة لا تلين.
تدفقت ردود الفعل الدولية والعربية، معبرة عن إدانة واستنكار لاستهداف الصحفيين في مناطق النزاع، وموضحة أن هذه الجريمة تمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية التي تحمي حرية الإعلام وسلامة الصحفيين. وجّهت منظمات حقوقية دعوات عاجلة لإجراء تحقيق مستقل يكشف الحقائق كاملةً، ويحاسب مرتكبي هذه الجريمة البشعة.
أنس الشريف.. صوت الحقيقة من مخيم جباليا إلى قلب العالم
نشأ أنس الشريف في أزقة مخيم جباليا للاجئين، حاملاً حلم العودة إلى وطنه الأصلي عسقلان، الذي لم تتح له الحياة أن يزوره. منذ طفولته، رسّخ في نفسه إرادة المقاومة بالكلمة والصورة، ليروي للعالم قصة شعبه المحاصر. طوال سنوات عمله الصحفي، لم يكلّ أو يملّ من نقل الحقيقة رغم الخطر المحدق به، حتى صمت صوته الأخير تحت وابل القصف الإسرائيلي.
الوصية الكاملة لأنس الشريف
نشرت وصية أنس الشريف على صفحته الرسمية في “فيسبوك” بعد استشهاده، وهي تعبير صادق من قلب صحفي محب لوطنه وشعبه، ملؤها الألم والأمل:
“حين يكتب الإنسان كلماته الأخيرة، تتحوّل الحروف إلى شظايا من قلبه، وتغدو الوصية مرآة لروحه وصرخة من أعماقه. هكذا جاءت كلماتي، محمّلة برائحة الأرض، ودموع المخيمات، وهدير الحنين إلى عسقلان المجدل.”
“أوصي بفلسطين: درة تاج المسلمين، ونبض قلب كل حر في هذا العالم.”
“أوصي بأهلها وأطفالها المظلومين، أولئك الذين لم يُمهلهم العمر ليحلموا أو يعيشوا في أمان وسلام، فسُحقت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ، وتمزّقت وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.”
“أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمس الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.”
“وأوصي بأبنائي: شام، التي لم يسعفني العمر ليراها تكبر، وصلاح، الذي تمنيت أن يشتد عوده ليحمل عني الهم ويُكمل الرسالة.”
“وأوصي والدتي الحبيبة التي كانت دعواتها حصني ونوري، داعيًا الله أن يُربط على قلبها ويجزيها خير الجزاء.”
“وأوصي زوجتي أم صلاح، شريكة دربي وصبري، التي فرقنا الحرب لأيام وشهور، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة.”
الغارة الإسرائيلية.. استهداف متعمد للصحفيين
قُتل أنس الشريف إلى جانب زميله محمد قريقع، والمصورين إبراهيم ظاهر، محمد نوفل، ومؤمن عليوة، في غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة استهدفت خيمة الصحفيين أمام مستشفى الشفاء بمدينة غزة. وأعلن مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية أن القصف أسفر عن استشهاد 7 أشخاص من الإعلاميين، بينهم مراسلون ومصورون.
وأقرت قوات الاحتلال باغتيال أنس الشريف، متهمة إياه بقيادة “خلية إرهابية” لحركة حماس، في محاولة لتبرير استهدافه، وهو ما قوبل برفض واسع من منظمات حقوق الإنسان، التي أكدت أن استهداف الصحفيين هو انتهاك للقانون الدولي ويجب محاسبة المسؤولين عنه.
ردود الفعل.. استنكار وحزن في الداخل والخارج
توالت ردود الفعل الحزينة من وسائل الإعلام، ومنظمات حقوق الإنسان، ومن الأفراد الذين تأثروا بوفاة الشريف وزملائه. وأكدت قنوات وصحف عالمية أن استهداف الصحفيين يهدد حرية التعبير ويضع حياة العاملين في مجال الإعلام في مناطق النزاع في خطر دائم.
وقد شيّع الآلاف جثماني أنس الشريف ومحمد قريقع وسط هتافات تطالب بحماية الصحفيين، مؤكدين أن الكلمة والصدق لا يُقتل، وأن ذكرى شهداء الصحافة ستظل منارة للحق.









التعليقات مغلقة.