في الوقت الذي تُحقق فيه نُسخ “سيتي سكيب” في الخليج نجاحًا استثنائيًا، سواء في الرياض أو دبي أو الدوحة، يظل “سيتي سكيب مصر” يعاني من غياب التأثير الفعلي، رغم مكانته التاريخية كأحد أقدم وأكبر المعارض العقارية في الشرق الأوسط. وبينما تتعامل تلك الدول مع المعرض كأداة استراتيجية لتصدير رؤاها التنموية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، لا يزال “سيتي سكيب مصر” يُدار بعقلية تقليدية لا تواكب حجم الفرص ولا عمق السوق المصري.
ويطرح هذا التفاوت تساؤلات مشروعة: لماذا لا يحظى “سيتي سكيب مصر” بنفس الزخم الإعلامي والإقليمي؟ ولماذا لا تتحول القاهرة، صاحبة واحدة من أضخم الأسواق العقارية في المنطقة، إلى مركز إقليمي للمعارض العقارية؟ أسباب كثيرة تتداخل، لكن العامل الأهم هو غياب الرؤية الواضحة لتحويل المعرض من فعالية محلية إلى منصة دولية ذات تأثير سياسي واقتصادي وإعلامي.
ففي نسخته السعودية، ارتبط “سيتي سكيب الرياض” برؤية 2030، ونجح في أن يكون ذراعًا ترويجية للمشروعات الكبرى مثل “نيوم” و”القدية” و”ذا لاين”، بمشاركة وزارية كثيفة، وتغطية إعلامية عربية ودولية قوية، وصفقات مليارية أعلنت من داخل أروقته. في المقابل، اكتفى “سيتي سكيب مصر” خلال دوراته الأخيرة بطرح مشروعات مكررة داخل نطاق القاهرة الكبرى، دون حضور رسمي رفيع، أو رسائل واضحة للمستثمر الأجنبي، أو حتى تغطية إعلامية تتناسب مع أهمية الحدث.
ومن جانب آخر، يلعب العنصر التنظيمي دورًا حاسمًا في الفجوة القائمة. ففي حين تستعد دبي والدوحة والرياض للمعارض العقارية قبل عام كامل من انعقادها، وتُطلق حملات ترويجية إقليمية ذكية، ما زال الترويج لـ”سيتي سكيب مصر” يعتمد على الدعوات التقليدية والإعلانات المحلية، دون خطة واضحة لاستقطاب وفود استثمارية نوعية من الخليج أو أوروبا أو شرق آسيا، وهو ما يقلص فرص خلق صفقات حقيقية أو جذب تمويلات أجنبية مباشرة.
كذلك يفتقر المعرض المصري إلى الربط الجاد بين القطاع الخاص ومؤسسات الدولة، فلا وجود لإعلانات استراتيجية كبرى خلال الفاعلية، ولا مشاركة مؤثرة للهيئات الحكومية والوزارات في دعم الفاعلية أو تسويق الدولة كمناخ جاذب للاستثمار العقاري العالمي. في حين نجد أن معرض “سيتي سكيب قطر” يُوظَّف لخدمة خطط الدولة في استقطاب رؤوس الأموال لما بعد كأس العالم، وتوطين شركات التطوير العالمية على أراضيها، بمزيج ذكي من التسهيلات والدعاية والتمويل.
وإذا كان “سيتي سكيب” في الخليج يفتح آفاقًا أوسع لتحفيز القطاع العقاري باعتباره رافدًا أساسيًا للاقتصاد الوطني، فإن النسخة المصرية لا تزال في دائرة المبيعات المحلية، دون محاولة جادة لطرح ملفات أكبر مثل الشراكات الدولية، أو تصدير العقار المصري، أو حتى تعزيز السياحة العقارية. وهي ملفات حيوية تمتلك فيها مصر ما يؤهلها للمنافسة بشراسة، إذا وُظِّفت الإمكانات بشكل مدروس واحترافي.
إن خسارة مصر موقعها في سباق المعارض العقارية ليس مسألة تنظيمية فقط، بل تعكس غياب إدراك حقيقي بقيمة هذه الفاعليات كأداة “قوة ناعمة اقتصادية”، يمكن من خلالها تعزيز النفوذ العقاري المصري في الإقليم، والترويج لصورة الدولة كمركز إقليمي للاستثمار والتنمية. فمصر تمتلك سوقًا عقارية ضخمة، وسجلًا عمرانيًا قويًا، واحتياجًا فعليًا لتدفقات دولارية جديدة، وهو ما يجعل غيابها عن التأثير الإقليمي من خلال “سيتي سكيب” أمرًا غير مبرر.
ختامًا، فإن إعادة إحياء “سيتي سكيب مصر” كمنصة دولية ذات صدى عربي وعالمي لا يتطلب سوى قرار سياسي واضح ورؤية اقتصادية جريئة، تُعيد صياغة أهداف المعرض، وتمنحه المكانة التي يستحقها، بما يليق بدولة بحجم مصر، وسوق عقاري يزداد تنوعًا وتشعبًا كل يوم. فالقاهرة، التي لطالما كانت في قلب التطوير العمراني العربي، يجب أن تعود إلى قيادة المشهد لا أن تظل على هامشه









التعليقات مغلقة.